القواسم المشتركة

يشترك البشر فيما بينهم في أمور كثيرة لأنهم قدموا من أب واحد وأم واحدة منهما تناسلت البشرية
وهذا يعني أن القيم المطمورة في نفوسهم واحدة من حيث الأصل كثوابت خلقت معهم يدركها الجميع
فهي قواسم بشرية مشتركة أو قيم إنسانية عامة لا ينفك عنها أو منها أحد منهم مهما كان الأمر
فالبشر متى تأملوا ما يجدونه في نفوسهم من قواسم مشتركة بالفعل وتعقَّلوا في فهم ذلك على الوجه الصحيح
قادهم ذلك ولا ريب إلى الهدف الرئيس الذي من أجله وُجدوا والدور الرائد الذي توجَّب عليهم القيام به
لكن الإشكال الأكبر أن البشر رغم كونهم كرجل واحد تماماً من حيث الخِلْقَة والخُلُق (القيم المشتركة)
إلا إنهم لا يتعاملون بها في الغالب الأعم بل يرى كل قوم أنهم الأفضل والأحق والأجدر ليعيشوا أسياداً
وليعيش من سواهم من الأقوام عبيداً خدماً لأولئك الأسياد الذي لهم كامل الحقوق وكافة الامتيازات
والعجيب أن بعض البشر بالفعل يرى نفسه بحق أنه من جملة الأحق الأجدر الأفضل متوهماً ذلك بالفعل
ويزداد الأمر تصديقاً من قِبَل أولئك الأقوام حين يبتعدون عن الدين وقيمه وتعاليمه وتشريعاته
لأن الدين حينها هو العدو الأول الذي يمنعهم من مثل تلك الأفكار والممارسات غير المعقولة ولا المقبولة
والجدار الأساس والحاجز الرئيس الأكبر الذي يقف في وجه كل فكر متغطرس أو سلوك منحرف
وهو أول من يعارض التصرفات الظالمة التي تعطي الأحقية والجدارة لمن يدعيها فقط لمجرد التفكير المحض
وهو أول من ينادي بضرورة تحقيق قيم المساواة والعدل والإخاء والسلام والوئام بين الجميع لصالح الكل
مبيناً أن أيٍ من أسباب التفرقة والتمايز المحض هكذا فقط لهو أكبر أسباب التعصّب والتناحر بين البشر
وأولى خطوات الصراعات التي لا تبقي على أحدٍ متى نشبت بين الناس لأن أسبابها مقيتة لا تقبل إطلاقاً
وكان الواجب على الجميع بدلاً من ذلك التفرق والتحزب المفضيين إلى نشوب الحروب والنزاعات القاتلة
كان الأحرى بهم التيقّظ لتلك القيم المشتركة التي جاء بها الدين لمصلحة الجميع ومنفعتهم حقاً وصدقاً
والتي تحميهم من أنفسهم مع أنفسهم ومن أنفسهم مع بعضهم ومن أنفسهم مع الآخرين أيضاً
بل ومن أنفسهم مع أعدائهم متى نشب هناك صراع أو نزاع لأنه قرر كافة الحلول القاطعة للفتن تماماً
وما على البشر إلا أمران اثنان : يتمثل الأول في فهم تلك القيم العظمى والتعاليم والتشريعات الكبرى
التي صاغها الدين بكل ما يحقق المصالح والمنافع لكافة البشر على اختلاف مشاربهم فعلاً وواقعاً
ويضمن سلامتهم من كافة الممارسات السلبية التي قد تنشأ فيما بينهم؛ وكل ذلك دون أدنى خلل أو زلل فيها
ويتمثل الأمر الثاني في الالتفات إلى تلك القواسم المشتركة الدالة على الأمر الأول وبكل وضوح لا لبس فيه
وبذلك سينعم الجميع في ظل قيم السلام والوئام أو سيحيق بهم الهلاك والدمار المحيط بالجميع من كل مكان
لتلك الصراعات المسلحة والنزاعات القاتلة التي قد لا يسلم منها أحد ولا تبقي ولا تذر نتيجة العشوائية العامة
فليختاروا لأنفسهم إذن؛ أي الطريقين سيسلكونه ليعلموا أي المصيرين سيصيرون إليه في دنياهم وأخراهم