وإذا عرفنا من هو المعبود بحق
وما هي الأمور التي توافرت فيه فجعلته الأحق بالعبودية
وجب علينا معرفة معنى العبادة على الوجه الصحيح
ألا وهو طاعة الخالق العظيم المدبر الحكيم المصرف العليم
الذي وضع لخلقه منهجاً حقاً يناسب الجميع فيه كل خير ونفع ومصلحة
لأنه الأعلم بخلقه وبما ينفعهم ويضرهم وما يسعدهم ويشقيهم
قد أعد للمطيع نعيماً وللعاصي جحيماً وأمر خلقه بوجوب الالتزام بمنهجه الذي وضعه لهم
المتمثل في شرع مطهر مقدس جاء ليحقق غاية النفع للبشرية أجمع
يدرك ذلك كل إنسان بفطرته السليمة المطمورة في كل نفس بشرية
فيعرف الحسن من القبيح والخير من الشر ويستطيع التفريق بينهما هذا من حيث الإجمال
أما من حيث التفصيل فلا بد من وسطاء بين الله تعالى وخلقه ليبلغوا منهجه
أولئك هم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام لأن تفصيليات الشرع لا تدرك إلا بوسيط
وإلا سيختلف الناس في فهم الأمور وفي تقدير مجريات الحقائق
إذن من مصلحة الإنسان طاعة خالقه سبحانه لينتفع بما شرع له
وهي مصالح متكاملة متوازنة تراعي جميع جوانب الحياة الدنيا المادية والمعنوية
والطاعة تكون بفعل المأمورات وتجنب المحظورات
واتباع ما جاء به الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام المبلغون عن ربهم منهجه الحق
والبعد عن كل ما يضاده من معتقدات وأفكار ومنهجيات وضعية
يدعو المنهج الحق إلى توحيد الله تعالى وعبادته والعمل بشرعه
ويحذر من الإشراك به أو العمل بغير شرعه مهما كان
تلك هي فحوى دعوة عامة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
وإن اختلفت شرائعهم السابقة كلٌ بما يناسب زمانه ومكانه تحقيقاً لمصالح اتباعه في حينه
حتى كانت آخر شريعة دينية ولا شريعة بعدها أبداً فكان ولا بد من أن يكون منهجها مرناً سهلاً
قادرة على أن تتماشى مع المتغيرات والمستجدات وتسايرها
مراعية مقتضى حال الناس بلا تشدد أو تصلب مناسبة لكل مكان وزمان آتٍ لا جمود فيها
كل تعاليمها وأحكامها وحدودها سمحة ميسرة يستطيع الناس العمل بمقتضاها
متناولة بجانب العبادات التي بين العبد وربه وجانب الأخلاقيات التي بين العبد ونفسه
وجانب المعاملات التي بين العباد مع بعضهم بعضاً
مقررة كافة المصالح والمنافع مانعة جميع المفاسد والمضار
حين أمرت بحفظ الضروريات الخمس : (الدين والنفس والعقل والعرض والمال)
وحين تناولت جانب توفير حاجيات الحياة ومتطلباتها
داعية إلى التمسك بعموم الفضائل والمكارم والمحاسن
التي أخذها العلماء كما هي عن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام
فحملوها وحفظوها ليبلغوها إلى الناس أجمعين حتى لا يضيع دين الله تعالى في الأرض فيَضِل العباد
هذا هو سر خلود شريعة السماء وبقاء منهجها السهل الميسر المرن
الذي يغني عن الحاجة إلى نبوة جديدة
شريعة السماء تلك السمحة السهلة ليست مجرد طقوس وحسب
ودينه سبحانه ليس دين مسجد أو صومعة أو معبد أو كنسية
لا دخل له في واقع حياة الناس كما يعتقد كثيرون
وإنما منهج متكامل يشتمل على تشريعات شملت كل جوانب الحياة
تقنن دنياهم وتنظم علاقاتهم جملة وتفصيلاً
وتحقق لهم كل خير وتدرأ عنهم كل شر وتقوّم سلوكيات النفس وتهذب تصرفاتها
تقنع العقل بتعاليمها المتزنة لا مشقة في تكاليفها من أي وجه كان
ولا تطرف في معتقدها وإنما وسطية واعتدال كل ذلك لينقاد الخلق لمراد ربهم سبحانه
ويسلموا وجوههم له متبعين دينه مقيمين شرعه
فيعبدوه وحده مخلصين له الدين دون إن يشركوا به شيئاً ويطيعوه دوماً فلا يعصونه مطلقاً
شريعة عامة شاملة موجهة لكل البشر دون استثناء الكل مدعو إلى سماع ما دعت إليه من تعاليم
وبالتالي فالكل مطالب للعمل بمنهجها لتسمو بهم إلى حيث الكمال في عالم الأخلاق
ومن ثم تحقق لهم سعادة الدنيا وجنة الآخرة
بخلاف القوانين الوضعية البشرية التي تشتمل على أمور وتغفل أخرى كثيرة
أو تحقق مصالح قوم دون آخرين أو على حساب غيرهم أو تهتم بجوانب وتفوتها أخرى كثيرة
لذا لا يخلو التقنين البشري من هفوات تستوجب إجراء تعديلات مستمرة عليه
لتلافي الأخطاء واستدراك الهفوات
هذا فضلاً عن كونها تقنينات تفتقد للشمولية والعمومية وتختلف بحسب الزمان والمكان
قاصرة عن مسايرة مقتضى حال الناس ومواكبة مصالحهم بوجه كلي أو جزئي
وبالتالي فلا توازن حقيقي فيها ولا انضباط دقيق لها
هذا هو حال البشر الاختلاف والتباين وهو أمر معروف لدى الجميع لا يختلف عليه اثنان