كلما تقدم الإنسان في السن أدرك قيمة الأشياء التي أنجزها في حياته وأدرك أيضاً وخامة الإخفاقات التي وقع فيها نتيجة تفريطه في الأمور وأدرك أيضاً أن ما حصل له في حياته مجرد طيف خيال مر به لم يعد له وجود حقيقي من الناس من يعمل لنفسه وحسْب وأثر ذلك عليه فقط لا يتعداه إلى غيره ومنهم من يعمل لنفسه وللآخرين فالأثر حينها يتعداه إلى غيره من الناس وقيمة الأشياء حينها تحسب له بالنسبة لبقائها في حياته ومن بعد مماته فرُبَّ شخص عمل أموراً أثرها باقٍ بين الناس من بعد موته فهو حي وإن كان ميتاً ورُبَّ شخص حي بين الناس لكن لا أثر له فهو ميت وإن كان حياً قيمة الإنسان الحقيقية بقيمة ما عمله وقام به من منجزات فأحدث بين الناس فرقاً يزداد إدراك حقيقة تلك الأمور كلما مضت على الإنسان سنون عديدة يبدأ يقلب حساباته وما خلَّفه فيها من أمور مما يسحب له ومما يحسب عليه وكلما تأمل تلك الحسابات أكثر أيقن أن الحياة زائلة لا محالة وأن ما فاته من وقت لم يستطع تحصيل شيء فيه ليحسب له فتلك خسارة كبرى وكل ما فرط فيه من أمور وأوقات ومقدرات ستحسب عليه لا له وعمره الذي عاشه بطوله وعرضه لم يبق منه سوى ذكريات في مخيلته كالسراب منها ما هو رفيع محترم يفخر به ومنها ما هو وضيع تافه سخيف يخجل منه منها ما هو أليم محزن ومنها ما هو سعيد مفرح يتذكره مع نفسه أوقات صفائه وتأملاته أحداث مرت عليه بعضها له قيمة وأثر إيجابي وآخر لا قيمة له سوى الأثر السلبي يرى أثر بعض ذلك في حياته بأم عينيه سواء كان أثراً حميداً أم سيئاً وسيبقى من بعده أثر آخر سيذكر به الناس بعد موته إما بخير وإما بشر فارصد لنفسك أثراً طيباً وذكراً حميداً عاطراً في حياتك ويبقى لك من بعد مماتك وإلا كنت ذكرى مؤلمة وأثراً سيئاً بعد مماتك لكثيرين من الناس فرق كبير بين من قدَّر قيمة الأشياء والأعمال وما ينتج عنها من آثار وبين ما لم يهتم لذلك