للإنسان في دنياه سعي كبير لا يتوقف منذ ولادته وحتى مماته تجعل من حركته دؤوبة دوماً ذلك السعي المتواصل والذي لا ينقطع ما دامت روحه فيه لها بواعث كثيرة ومتعددة غير أنّ منبع عامة تلك البواعث تصدر من مصدرين اثنين هما الاحتياجات والشهوات إما احتياجات تحرك الإنسان ليلبيها ويتحصّل عليها ويوفرها لنفسه ولذويه ممن هم تحت يده سواء كانت تلك الاحتياجات مادية جسدية أم كانت احتياجات معنوية نفسية في كلا الحالتين يسعى الإنسان وبكل ما في وسعه لتوفير ما يحتاجه هو وعائلته وأسرته لينعم بحياة يراها هو حياة كريمة تناسبه شأنه في ذلك شأن عامة البشر ممن ينعمون بها والمشكلة تكمن هنا في أن كثيرين هم الذين يحاولون توفيرها ولو بطرق غير نزيهة أو شريفة حسبهم توفيرها ولو بأساليب غير مشروعة ولا محمودة العواقب المهم الحصول عليها كغيرهم واللجوء إلى مثل تلك الطرق والأساليب يعني سقوط جدار القيم وتقديم أية تنازلات عنها كما يعني التسلق والتملق والالتفاف على الحقائق والنفاق والكذب والغش والخداع والخيانة وكل ما يمكن قوله في هذا المجال من وضاعة للأسف دون أدنى تحفظات أو أية اعتبارات والمشكلة هي أن حال عامة البشر هذا هو بالضبط أنانية تجعلهم لا يفكرون إلا بأنفسهم ولو على حساب الآخرين ربما لدرجة الإضرار بهم دون أدنى اكتراث لذلك إطلاقاً القيم تحارب كل ذلك والشارع الحكيم سبحانه حينما أحاط الإنسان باحتياجاته في دنياه علَّمه كل شيء وشرع له طرقاً مباحة شريفة عفيفة نزيهة أكثر بكثير من الفاسدة المفسدة لو تفكر الإنسان في حقيقة دنياه لوجد أن ما يحوطه مما يحقق مصالح الجميع يفوق الحصر وأن كل طريق ممنوع يقابله عشرات الطرق المشروعة التي لن يحتاج لغيرها لو تفطن في الأمر وكانت تكفيه وتكفي الجميع لو التزم الطرق المباحة الشريفة النزيهة التي تحقق له كل شيء تحقق له الاحتياجات وتحقق له حفظ الكرامة بكافة الاعتبارات له ولغيره دون تفرقة أو تمييز عليه فقط الالتزام بالمشروع والاحترام لكل إنسان وألا يفكر في نفع نفسه وتجاهل من سواه وألا يعتقد أن فساد الناس من حوله يبيح له أن يكون مثلهم وعليه أن يفعل فعلهم بكل بساطة هذه سلبية وتبعية ولا شخصية تجعله في ركاب الوضاعة التي تبرر له كل شيء مشين أما الشهوات فطريقها أشد من ذلك وأنكى لأنها تجعل الإنسان يقترف ما يجد فيه لذته ولو كان ذلك في مخالفة الشرع الرباني القويم والقيم الفضلى والأخلاق والفضائل والمبادئ الشهوات في حقيقتها تجر الإنسان إلى حيث التنازل عن كل رفعة ومعظّم ومقدّس فقط ليقضي وطره في لذة عاجلة أو نزوة زائلة حال غيابٍ ذهني حقيقي عن دينه وقيمه في الحديث النبوي الشريف ما يصف ذلك بالضبط حين قال صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)[متفق عليه] والمعنى أن المسلم حين يرتكب الذنب ويقترف الجرم يكون في غفلة وحالة ضعف من إيمان تحجبه (الغفلة) عن مراقبة ربه الكريم وتنسيه حدود دينه الحنيف فيجترئ حينها على المعصية الشهوات في حقيقتها حجاب حاجز يحول بين المؤمن وحقيقة إيمانه الذي يجد حلاوته في قلبه وكلما استحوذت على المرء وغمرت قلبه وانغمس فيها واستمرأ ارتكابها دونما رادع أو وازع خفتت جذوة نور إيمانه في صدره وأنسته ما هو مستمسك به من شريعة وحدود وأحكام حينها يدخل في حيز الهلكة من حيث لا يشعر بل ربما وجد راحته في ارتكاب المعصية وقتئذٍ يضيع إيمانه الذي متى فُقِد تاه المسلم في غيابات المهالك ودروب الشقاء وبالمجمل هلاك المسلم في هذين الأمرين إما المبالغة في الركض خلف الاحتياجات دون تحفظ والحرص على تحصيلها ولو بمخالفة المنهج الحق ومعصية الله تعالى دونما اكتراث وإما الغرق في بحار الشهوات والنزوات التي متى أدمن عليها أفقدته مكانته وربما إنسانيته