المعنويات والماديات

في عالم البشر يختلف نضج عقل الإنسان وأدركه للأمور وفهم الحقائق
وكلما تقدمت به السن من المفترض أن يصل إلى ذروة الإدراك والوعي والفهم
وعندئذ وجب عليه مراجعة ما كان قد مر به من مفاهيم وقيم ومبادئ وحقائق
يقف مع نفسه وقفة صحيحة صريحة لا مغالطة فيها لأنه إن فعل فهو الخاسر قطعاً
ينظر في حقيقة أفعاله الغابرة هل صدرت منه بقناعة تامة أم كان غير مختار لتلك الفعال
كثير من الناس يقولون لو عاد بنا الزمان لما فعلنا ما فعلنا يندمون على ما صدر منهم
لأنهم أدركوا بعد نضج تام وبال وخسران ما كانوا عليه زمن غفلتهم
هنا يجد الإنسان نفسه بحق ويدرك ما كان يبحث عنه من أمور
الدين وفر على الإنسان كثيراً من تلك الأمور واختصر المسافات وبين له حقيقة كل شيء
أما من كان منصرفاً عن الدين فحتماً تجده في دوامة التيه والضياع
حائراً متخبطاً كئيباً وإن توافرت له كل أسباب السعادة والفرح والمرح المادية
والسبب لأن الدين يوفر للإنسان طمأنينة الجانب الروحي الذي يحقق سكينة النفس
فحياة بلا دين يسير عليه الإنسان أشبه بجحيم يعيشه ويقاسيه
فتوافر ماديات الجسد وكماليات الجسم تبقى ناقصه متى افتقدت لسمو الروح
لا يمكن إغفال المعنويات في حياة الإنسان وتجاهل راحة البال
التي بها تتكامل جوانب الحياة البشرية المفضية للسعادة الحقيقية
رب شخص يعيش في قصر حوى كل أنواع الملذات مما تشتهي النفس
لكن داخله صراع كبير لا حدود له والسبب لأنه اهتم بالماديات وأغفل المعنويات
ورب شخص يعيش حياة الفقر حتى ضروريات الحياة لم يجدها من حوله
لكنه يتمتع بسعادة غامرة فقط لراحة باله وطمأنينة نفسه وسكينة فؤاده
الفرق بين الاثنين كبير في الماديات وفي المعنويات وجوداً وعدماً
فصاحب الماديات تحققت له لكنه عاش منزعجاً لأنه لم يجد نفسه بعد
وصاحب المعنويات تحققت له فوجد الارتياح والسعادة لأنه وجد نفسه
وإذا كانت المعنويات هي التي تحقق السعادة الحقيقية وإن شحت الماديات
وإذا كانت الماديات رغم توافرها وربما بكثرة لم يحقق السعادة الحقيقية
فهذا يعني أن الأصل في هذا الحياة إنما هو المعنويات وليس الماديات
لذا عامة البشر عبر الزمان يبحثون عن الدين ليجدوا فيه ضالتهم
لأنه يروي ظمأهم ويريح بالهم ويسكّن نفوسهم ويملأ قلوبهم بالطمأنينة
الدين هو الصلة الحقيقية بين الإنسان الضعيف وخالقه القوي الأعلى
فمن عرف خالقه أمده بكل أسباب القوة الظاهرة والباطنة وحقق له السعادة المادية والمعنوية
حينها فقط يحيا الإنسان إنساناً يعرف نفسه ويعرف خالقه ويعرف معنى الإنسانية الحقة
التي ساوت بينه وبين كافة البشر وما هو إلا واحد من جملة الناس
فإن عمل بموجب القيم الإنسانية وكان صالحاً مصلحاً في دنياه فذلك هو السعيد بحق
أما من بحث عن السعادة في غير هذا الطريق فلن يجدها مهما سار في دنياه
ومهما قطع ولو آلاف الكيلومترات ولو قضى كل أيامه ولياليه باحثاً عنها
شأنه كشأن من سار خلف سراب يراه لن يصل إليه أبداً مهما سار لأنه لا حقيقة له
فتنبّه للسراب الذي يدور في خلدك ولا تغتر بما ترى وإلا كنت في عداد الضائعين وهم بالملايين