المصالح والقيم

القيم رباط يجعل المرء يتصرف مع من حوله من منطق التمسك بفضائل الأخلاق ومكارمها
والمحاسن والمبادئ والمعالي وكل أمر يدفعه إلى الترفع عن الرذائل وسفاسف الأمور ومحقراتها
ولو كان في ذلك ضياع لبعض المصالح قليلها أو كثيرها في سبيل المحافظة عليها تماماً
وهذا منهج حق كثيرون يسيرون عليه مستمسكين به مهما كانت الظروف وضغوطات الحياة
لأنهم أصحاب مبادئ حقيقية لا يمكنهم التنازل عنها أو المساوعة عليها إطلاقاً 
يقابلهم في ذلك أناس آخرون يحرصون على المصالح حرصهم على الحياة للدرجة الأخيرة
ولو كان في ذلك المساومة أو حتى التنازل عن القيم والمبادئ والأخلاق والفضائل
المصالح عندهم مسألة أولويات ولو كان في ذلك مضرة الآخرين أو حتى تفويت مصالح عليهم
وهذه مشكلة كبرى حين يعتقد كثيرون أن الحرص على المصالح من جملة أولويات الحياة
وهي كذلك حقاً لكن ليس لدرجة تنازل الإنسان عن قيمه ومبادئه وأخلاقه والفضائل
هذا الأمر للأسف ميدان كبير للصراعات والمفارقات وساحة واسعة لا حدود لها في الحقيقة
تجعل الناس يصطرعون فيما بينهم لربما لدرجة الاقتتال عليها بدافع الحرص على المكاسب
زد على ذلك مسألة اختلاف الدين والفكر والثقافات والعادات والمصالح المرجوة بصورة عامة
أمور قد تقود الناس ومن حيث لا يشعرون إلى القيام بأبشع الأعمال وأشرسها في الحياة
كالتفكير وبلا أدنى مسؤولية بإبادة الخصم ومحو الطرف الآخر الضد من على الوجود
المصالح والسعي لتحصيها والظفر بها هو القائد الحقيقي للصراعات بين البشر بوجه عام
وليس القيم التي فُطر الناس عليها وجبلت نفوسهم لقبولها على أنها من مسلمات الحياة
حين يتجاهل الإنسان تلك القيم والمبادئ والأخلاق وتتهاوت في نفسه ولم يعرها أدنى اهتمام
يتجرد من إنسانيته تماماً وقد تحوله أنانيته المفرطة تلك وانتهازيته المذمومة إلى قاتل عديم الرحمة
لا يبالي بشيء إلا بما يراه أنه من مصالحه فقط التي لا يمكن التفريط فيها أو بها لأي سبب كان
وعندها لا يرى ببصره وبصيرته إلا جنسه أو نوعه أو قبيلته هي التي تمثل الوجود والأمجاد
ومن سواهم دون ذلك في كل شيء فقط لأن داخله مجرد من القيم والمبادئ والأخلاق تماماً
خاوٍ من معاني المعالي ومعاييرها الذي لا يعرف منها شيئاً بل ولا يراها مقاييس محترمة أصلاً
ترجيح كفة المصالح على كفة القيم لدرجة التنازل عنها أو المسامة عليها أمر خطير للغاية
وعامة الخلافات بين البشر نشأت نتيجة التعامل بهذا المنطق البئيس فيما بينهم للأسف
المصالح التي تجعل القوي والغني يتناسيان كل معاني الإنسانية فقط لأجل مصالحهم الآنية
وكأن القيم والمبادئ والأخلاق والفضائل لا قيمة لها إلا بما يتوافق مع المصالح وحسب
ومتى تعارضت معها قدمت المصالح بكل حال لأنها هي الأهم من وجهة نظرهم
وفي ذلك غاية انعدام القيم الإنسانية والانسلاخ منها في عالم الحقيقة وبكل معاني الكلمة
التمسك بالقيم والأخلاق والمبادئ هي التي تصون المجتمعات من الانهيار والانهدام
وليست المصالح بحال إذ لكل من البشر مصالحه التي يسعى لتحقيقها في حياته ويرى لها الأولية
وقد تتلاقى المصالح وهذا أمر إيجابي متى تكاتفت الجهود لإدراك كل الأطراف مصالحهم
وقد تتقاطع المصالح حينها يلجأ كل طرف لتحقيق مصالحه ومتى غابت القيم كانت الكارثة
لأن كل طرف حينها لا يهتم لإلحاق الضرر بغيره لتحقيق مصالحه هو دون الآخرين
وهذا الأمر كثير حصوله في الحياة الدنيا للأسف ومن هنا نشأت الصراعات الضارية بين البشر
التي لن تختفي ما لم يرجع الإنسان إلى إنسانيته التي فطر الله تعالى عليها ويحكِّمها في حياته
ويراعي مسألة أولوية تحقق القيم على مسألة تحقيق المصالح المجردة من القيم بأية طريقة كانت
حينها فقط سينعم العالم في ظل تحقيق المساواة الحقيقية على وجه إيجابي تماماً
وستنعم كافة المجتمعات في ظل واقع متزن معتدل بتحقيق القيم والمبادئ والأخلاق الفاضلة