الكرامات

كثيرون ممن يعبد الله تعالى حين يستحسن من نفسه عبادة ما ينتظر كرامة لقاء ما قام به
كثيرون يعتقدون أن الكرامات إنما تستجلب بكثرة العبادات وقد يكون ذلك فعلاً
كثيرون ينتظرون المكافأة العاجلة نظير اجتهادهم في العبادات والطاعات
فيرى ما لا يرى الآخرون ويسمع ما لا يسمعون ويقدر على ما لا يقدرون
أو تجري الأمور على وفق ما يريد فيظن أنه يرى البواطن ويكشف الأسرار
وقد يحصل بعض ذلك فعلاً من أمور معجزة مرة أو مرتين أو مرات عديدة حتى
وكل ذلك منحة من الله تعالى لعبده وهو في أول طريق الهداية ليثبته عليه ويجِدّ من المسير
لكنه ما يلبث أن يزول الأمر الذي قد يجعل العبد يفتر اجتهاده وتضعف همته
بسبب زوال ما كان يجد من منح إلهية حفزته في أول أمره
فهل ما حصل فعلاً كان كرامات للعبد لكونه بلغ منزلة الولاية الحقة والقرب من الله تعالى
وهل بقاؤها أبداً وتشوقه لحصولها دائماً هو أيضاً من صميم الكرامات
وهل هو بذلك قد بلغ حقاً منزلة الولاية ودرجة القرب من ربه العظيم
علم جليل يجب معرفة حقيقته والوقوف على مكنونه
الكرامات الحقيقية هي أن يوفقك الله جل في علاه على الثبات على الطاعة
فإن وجدت نفسك مداوماً على فعلها فتلك هي الكرامة الحقيقية
إن لمست في خلقك حُسناً وفي سلوكك استقامة فتلك هي الكرامة بعينها
إن وجدت حلاوة الطاعات بين يدي ربك الكبير ولم تستثقلها فتلك هي الكرامة المعتبرة
إن هانت عليك زينة الدنيا ولم تحزن على فَقْد شيء منها أو فيها وانقطعت عوالقها منك فتلك هي الكرامة  الأكيدة
إن استشعرت تدبر القرآن الكريم وخشعت له جوارحك وعملت بحلاله وحرامه وحدوده وأحكامه فتلك هي الكرامة الفائقة
إن رغبت في الآخرة وفي لقاء الله سبحانه وهو راضٍ عنك فتلك هي الكرامة البالغة
إن كان الله جل شأنه في بالك دوماً مستحضراً رقابته لك وعليك فتلك الكرامة الحقة
إن حفظت لسانك عن تتبع عورات الناس وانتقاص أقدارهم وابتعدت عن الغيبة والنميمة وذكر مساوئ الآخرين فتلك كرامة
إن عرفت كيف تعامل الناس برفق ولين وقرب ومحبة وعفو وصفح وتسامح فتلك كرامة
إن استطعت أن تضبط تصرفاتك وانفعالاتك وتكبح جماح نفسك وحظوظها فتلك كرامة
إن سرتك حسنتك وحفزت إلى أخرى وساءتك سيئتك واستحييت منها فتلك كرامة
إن وُفقت إلى فعل الخيرات والمداومة عليها وتركت الشرور والمنكرات فتلك كرامة
إن رأيت الحق حقاً والباطل باطلاً وميّزت بين الأمور صحيحها من خطئها فتلك كرامة
وأكبر كرامة هي أن يثبتك الله جل جلاله على الحق في هذه الدنيا دار التغير والتقلب
فالنفوس لا تثبت على حال فيها لكثرة الملهيات والمغريات والفتن المدلهمات
لذا جاء في الحديث النبوي الشريف عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت
(كان أكثر دعائه r يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت : فقلت يا رسول الله ما لأكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟ قال : يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ)[الترمذي]