حقيقة العادات

من الصعب جداً على الإنسان أن يغير في حياته عادة ظل يألفها سنين عديدة
لأن تغييرها يعني تغيّراً حقيقياً في نمط حياته المستقبلية
فأولى خطوات التغيير هي الخروج عن حد المألوف والمعتاد والروتين اليومي
والتفكير بطريقة مغايرة عما كان عليه الشخص ليلمس الفرق في حياته
العادة قد توقع الشخص في أسرها ربما سنين طويلة لا يستطيع التخلص منها
ولا يشعر أنها تقهره وتحيط به بسياج لا يستطيع تجاوزه بسهولة
تفرض عليه سلوكيات معينة وتصرفات من نوع خاص مع الآخرين
فالنفس متى تعودت على شيء ارتاحت له وانسجمت معه وسكنت إليه
لذا قالوا في الأمثال : أن النفس كالطفل إن تعود شيئاً من الصعب عليه أن يفارقه
والطفل بطبعه لا يستطيع أن يفرق بين المنفعة والمضرة والمصلحة والمفسدة
لذا كان شأن عامة الناس في دنياهم كالأطفال حقيقة لا يعرفون مصلحتهم
وليس باستطاعتهم التفريق بين الحقيقة والخيال والسبب العادات التي ألفوها وتعودوها
فحالت بينهم وبين إدراك الحقائق مجردة من غير لبس أو التباس
حتى على مستوى العقائد والدين والشرائع عامة الناس مقيد بقيود ما نشأ عليها وألفها
فتجده لا قدرة له على التغيير مهما كان الأمر تحوله عن رؤية الحق
العادة متى استحكمت من الإنسان غطت عيناه وغلّفت قلبه وأغلقت عقله
هي التي تصنع القناعات التي بدورها تقود إلى نشوء خلافات وربما صراعات مميتة
فمثلاً ! أين عقل من عَبَدَ حجراً أو شجراً أو ماءاً أو ناراً أو شمساً أو قمراً
كيف انحدر مستوى تفكيره ليتبع جمادات لا تعي من أمره شيئاً
انحدر لعادات نشأ عليها صنعت قناعات ذويه فتبعهم من غير أدنى وعي منه
تلك هي العادات التي تلغي مدلول العقل وصوت الوعي ولسان الفهم
فتجعل الإنسان كطفل كبير لا يعرف التفريق مهما بلغ من عمره ولو تجاوز المئة
العادات في حقيقتها جدار قائم يحيط بالإنسان يعزله عمن حوله من مدلولات
فلا يسمع ولا يرى ولا يشعر ولا يحس إلا ما كان داخل ذلك المحيط العازل
وصدق القائل : من شبّ على شيء شاب عليه . ومن شاب على شيء مات عليه
قليلون هم من يستطيعون تجاوز ذلك الجدار القائم والنظر لما خلفه وسماع أصوات الحقيقة
وتأمل أسرار هذا الكون وانصت لصوت الضمير المنبعث من الداخل
وكسر حواجز العادات التي لا يمكن أن تنسجم مع طبيعة العقل الحر المفكر
الذي جعله الله تعالى حكماً على أفعال الإنسان يفكر به ويعقل ويدرك ويعي
فمن ألغى مدلوله فَقَدَ صوابه بكل معاني الكلمة ! شاء أم أبى