التأثير على الأفراد

في كل مجتمع حركة ثقافية تؤثر على الحركة الفكرية فيه من قريب أو من بعيد 
لأن الفكر في مجمله من مخرجات الثقافة في المجتمع ولا ريب
وثقافات المجتمعات من حيث العموم تتكون نتيجة تمازج تعاليم الدين وشرائعه ومبادئه
بالعادات والتقاليد والقيم الأصيلة المنتشرة في المجتمع بالإضافة للأعراف الدارجة فيه
والأنظمة والقوانين المعمول بها والأفكار المستهجنة التي وردت إليه من مجتمعات شتى
يدخل على الخط قطعاً دور التربية والتعليم في صناعة الجو الفكري للمجتمع
كل هذه العوامل تتداخل فيما بينها وتتقاطع لتكوّن الفكر العام ومن ثم ثقافة المجتمع
بعضها يكون تأثيره قوياً وبعضها تأثيره ضعيفاً وبقدر قوتها وضعفها يوصف المجتمع 
ويصبغ بصبغة فكرية تميزه عن غيره وبثقافة خاصة به كالبصمة الدالة عليه
وبالتالي تطفو على السطح طريقة تفكير معينة تطغى سماتها على المجتمع 
كما لو كان ذلك الفكر مفروضاً عليه لا يستطيع الإنفكاك عنه
وهو في الحقيقة وليد الوضع الراهن في البلاد الذي تهيأ نتيجة تمازج لتلك العوامل
وبهذا يصنع الفكر في المجتمعات كثقافات عامة تشارك عدة أمور في صياغتها
وبوجه مباشر وغير مباشر تعاليم الدين تخرج فكراً دينياً متفاوت الدرجة 
بين فكر معتدل وآخر متشدد وثالث منسلخ ورابع متقلب
كما أن قيم العادات والتقاليد توجد فكراً متفاوتاً أيضاً بين متحفظ باقٍ على تراثه ومنفتح قابل للتجديد 
ومتأرجح ما بين وبين لا يستقر على مبدء أو فكر أو قيم ذات قيمة
كذلك الأعراف في كل مجتمع ومدى التمسك بها بين منغلق على عرفه لا نية له على التغيير بتاتاً
وبين متطور لا يجد غضاضة للتغيير وآخر مشكك فيه تارة وتارة
يأتي دور الأنظمة والقوانين لتصنع الفارق فبقدر ملاءمتها للواقع تماشياً مع مقتضى الحال
وبقدر قوة حضور أحد تلك العوامل على غيره في المجتمع يصاغ الفكر بوجه عام
وبالتالي تحدد ثقافة ذلك المجتمع بكل وضوح لتكون عنوانه والدالة على طبيعة أهله 
والمؤشر على مستوى سلوكهم في سائر تعاملاتهم