الإقناع الإيجابي

المقصد الرئيس من النقاشات الإيجابية الهادفة هو الإقناع الحقيقي وليس مجرد إلقاء الحجة
كثيرون يعمدون إلى الجدال العقيم وحسبه من ذلك إقامة الحجة على حجيجه وهذا خطأ
والأولى هو محاولة الإقناع الحقيقي ليدرك الطرف الآخر الحق الذي معك دون لبس
وهذا يقتضي ولا ريب استمالة قلبه بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن المرغب فيهما
حينها فقط قد ينصت لك بعقلانية ووعي تام ليقف على الحقيقة مجردة من الأغاليط
فرق كبير بين النقاش الهادئ المثمر والجدال العقيم الذي لا هدف له حقيقة
وهذا المبدأ لا يطيقه كل أحد لثقله على النفس البشرية التي تحاول الانتصار لحظوظها
يطيقه فعلاً من استطاع ضبط انفعالاته وكسر شهوات نفسه الجامحة أثناء الحديث
وأثقل من ذلك قبول من رفضك ومحاولة عدم معاملته بالمثل من رفض وصدود
فهذا قطعاً ليس من صفات العقلاء وخصائصهم وإنما من خصال الخصماء
مهما كان حجيجك رافضاً لك اقبل الحق الذي معه ما دام قد جرى على لسانه
فمن الخطأ رفضك للحق الذي معه وتلك مدعاة لرفضه الحق الذي معك
كن المبادر فأنصف نفسك من نفسك قبل محاولة إنصافه منك ومن نفسه
فلربما متى رآك منصفاً دفعه ذلك ليكون منصفاً لك من نفسه
ليكن هدفك إيصال المعلومة له غير مغلوطة ليدركها بكل سهولة ويسر ومن ثم يتبعها
ولا يكن همك مقارعته ودحض حجته بحجتك وحسب لتكون منتصراً
اعمل للحق وكن من أعوانه ودعاته ولا تعمل على إثبات قدرة نفسك على حساب الحق
فرق كبير بين من عمل لله تعالى إعلاءً لكلمة الحق وبين من يعمل لنفسه وحظوظها
لا تنفعل أثناء النقاش فتفسد على نفسك إمكانية إقناع الطرف الآخر بالحق الذي معك
لا تفتح على نفسك أثناء النقاش موضوعات فرعية قد لا تحسن إغلاقها أو الإجابة عليها
ركز على الموضوع المطروح للنقاش فإن رأيت الطرف الآخر مستعداً لسماعك فأكمل
وإن رأيته منصرفاً عنك لا رغبة له في سماعك فاسكت فلا نفع من حديثك معه
فإن من صم قلبه عن إدراك الحق شأنه شأن من صم أذنيه تماماً
حال النقاش أحسن الاستماع والانصات للآخرين فلعلهم يقولون ما ينفعك
ولا تتسرع في الحكم على أقوالهم بل أعطهم فرصة لإكمال ما يريدون قوله
فإن كان كلامهم مجرد لغو وقول باطل لا قيمة له مطلقاً ولا طائل من ورائه
كان إنصاتك لهم مدعاة لإنصاتهم لك وسماعهم قولك وهذا أقل النفع الحاصل
ليكن ردك في حدود الأدب ما أمكن ذلك كي تستميل قلوبهم نحوك فلا ينفرون منك
أظهر احترامك لهم ولآرائهم وإن كانت سخيفة فيما يبدو لك حتى تظهر لهم الحق
إن وصل النقاش إلى طريق مسدود لا نفع منه أو اعتمد نظيرك أسلوب الجدال العقيم
فانسحب فوراً والانسحاب حينها خير كبير ولا تشدد عليهم قبول قولك فيرفضوه
في الحديث النبوي الشريف قوله صلى الله عليه وسلم : (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً
وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)[أبو داود والنسائي . وربض الجنة : طرفها]
أحياناً كثيرة يكون ترك المناظِر أولى بكثير من استمرارية الحديث معه
لأن مواصلة الكلام حينها قد تجعله يتصلب في آرائه ويحيف في أحكامه على أقوالك ومواقفك
اتركهم حينها مع صدى كلامك تردده ألسنتهم وتفكر فيه عقولهم وتمايزه قلوبهم
لعل ذلك يردهم إلى الحق من طريق بعيد لم تكن تفكر فيه أنت ولو لبرهة
أو لعل عقولهم تحتاج لفترة تجرد ليعوا حقيقة ما نطقت به من كلمات حق
أو لعل قلوبهم تحتاج لمراجعة ووقفة صادقة مع الذات لتتخلص مما علق بها من لبس وشبه
كل ذلك ممكن فلا تستعجل النتائج من أول مرة فلكل حدث وقته المناسب له
يحين بإذن الله تعالى لا بجهدك يكون ! ولا بكلماتك يتحقق وإنما بتوفيقه سبحانه