قدر العلم

يعتقد كثير من طلبة العلم أن حيازته لقدر معين من العلم يؤهله ليكون عالماً مدركاً
ويعتقد بعضاً آخر أن جمع المعلومات يعني بلوغه مُكنة علمية محترمة في أعين الناس
في حيت يتساهل بعضهم في مسألة التدرج المنهجي في التعلم السليم بصورة صحيحة
مما جعل كثير منهم يعطي لنفسه أحقية التكلم كما لو كان من جملة العلماء المعتبرين
كل تلك الممارسات ليست من آداب العلم الشرعي المنهجي الأصيل الرصين
يحتاج طالب العلم لوقت يتلقى فيه العلم على جرعات متفرقة حتى يعي بصفاء
حتى يدرك المقاصد الحقيقية من العلم ويقف على المضامين المرجوة
حتى يبلغ درجة التمكُّن المطلوب فلا يلتبس عليه شيء بآخر من مفاصل العلم
عليه ألا يتعجل تصدر المجالس والقول والإفتاء والحكم على الأمور قبل أوانه
العلم إدراك للحقائق ومعرفة لمقاصدها ووقوف على مضامينها وهذا يحتاج لوقت
ومن ثم العمل بما تعلمه الطالب بصورة صحيحة لا زيف فيها ولا تضليل
وفوق كل ذلك يحتاج طالب العلم لوعي ونباهة وكياسة تصونه عن الغفلة
كثيرون قد بلغوا درجات علمية متقدمة من الحفظ والفهم والإدراك والاتقان
لكن المشكلة تكمن في مسألة وعيهم لحقيقة الأمور ضمن إطار الواقع والحاصل
الوعي مهم جداً للعالم المتعلم سواء ! وعلم بلا وعي عمل بلا منهج وعشوائية غير محمودة
منزلق خطير زلت فيه كثير من الأقدام وتاهت في توصيفه عديد من الأقلام
الوعي يعني مراعاة المفارقات الكائنة والحاصلة زماناً ومكاناً ووضعاً وحالاً
يعني النظر في عواقب الأمور بغرض الوصول لمقاصدها المرجوة وأهدافها النبيلة
فقِصَر النظر من أسوأ المشكلات التي قد يوصم بها العالم والمتعلم
حين يحجِّم الأمور بنظرته الضيقة فيضخِّم البسيط أو يقلل من شأن العظيم
نظرته ليست على مستوى الحدث فجافى بذلك الاتزان المطلوب والاعتدال المرغوب
الوعي هو عين ميزان إدراك الأمور على حقيقتها وفَقْده إما غفلة مستحكمة أو تخلّفاً غالباً
فكم من عالم ومتعلم اضطرب ميزانه حين قلَّ وعيه لغفلته أو تخلفه ! فتأمل