مرحلة تكوين الشخصية

بمجرد أن يكبر الطفل ويلج سن المراهقة يبدأ يفهم بعض الأمور ويدرك مجريات الأحداث
وسنوات قليلة ويلج سن الشاب وحينها تبدأ تظهر عليه معالم شخصيته بوضوح أكبر
على المربي حينها أن يدرك دوره الفاعل في توجيه ذلك الكائن الذي بدأ يكبر أمام ناظريه
وعليه أن يدرك أن حُسن اختيار الأسلوب الأمثل مع من هم تحت يده مهم جداً
سواء كان المربي أباً أم أماً أم مدرساً ومعلماً أم موجهاً أو حتى رجل من جملة عامة الناس
عليهم أن يدركوا جميعاً أن التربية ليست مختصة بأناس دون آخرين إطلاقاً
الكل شريك في التربية والنصح والتوجيه بحسب ما تيسر له من ممكنات متاحة في مجتمعه
وكل أولئك ستظهر بصمات أساليبهم تلك على ذلك الطفل الصغير وترتسم في مخزن مخيلته
ومن ثم وفي سن متقدمة تبدأ كل تلك الأمور المخزنة تظهر على معالم شخصيته ويتفاعل معها
ولهذا يعتبر الطفل في حقيقة أمره ضحية أساليب الكبار التي أثرت في نفسيته في سن الصغر
يأتي في مقدمتهم الأب والأم والأخ الكبير والأخت الكبرى والمعلم الذي تتلمذ على يديه
هؤلاء هم أكثر الناس تأثيراً على نفسية الطفل في صغره وبصماتهم قوية وظاهرة عليه
هم من يصقل شخصيته ويوجهها ويعيد توجيهها بما زرعوا فيها من ثقة واستقلالية منذ الصغر
أو بما بثوا فيها من آفات الخوف والتردد والضعف نتيجة العنف والشدة والكبت والقهر
والمشكلة الكبرى هي أنه وبعد تجاوز الطفل مرحلة المراهقة وبداية سن الشباب وفهم الحياة
سيواجه صراعاً حقيقياً مع نفسه نتيجة عُقد وضغوطات كبتت في نفسيته سنين عديدة
ذلك الصراع إما أن يظهر وبقوة على شخصية الشاب على هيئة تمرد على المجتمع
نتيجة أساليب خاطئة واجهته في صغره وتركت في نفسه معاناة ليس من السهل تجاوزها
وإما أن تستمر حالة الكبت فلا يستطيع البوح بما في نفسه من معاناة ما زالت مستمرة معه
حينها يكون ضعيف الشخصية متردداً خائفاً من المستقبل مكبوتاً قلقاً حزيناً منطوياً على نفسه
وكلما كبر وكبرت مسؤولياته وكثرت وواجهته مشكلات الحياة زادت معه تلك المعاناة
وفي كلا الحالتين يظل طفل الأمس أسير هواجس الماضي الأليمة قد لا يستطيع الانفكاك عنها
كثيرون هم وللأسف الذين صنعوا شخصيات هزيلة في أولادهم وفي ذويهم وفيمن حولهم
فبسوء تعامله معهم في صغرهم أطفأ براءة الطفولة فيهم وغرس محلها جدور العنف والضعف
المربي هو محور حركة الحياة والمؤثر الأول فيها وصانع الأجيال الرئيس في مجتمعه
الأبوة والأمومة تعني كل شيء بالنسبة للطفل الذي يراهما مفاتيح الحياة في كافة الميادين
والمعلم يُعد صانع الآفاق الأول بعد سن الطفولة ولا سيما في مراحل التعليم المبكِّر
والطفل هو مسرح العمليات في أي مجتمع تجري عليه كافة الأساليب والنظريات التربوية
ويخضع لعموم حركات الثقافة وموجات الإعلام والممارسات المجتمعية الإيجابية والسلبية
وفي مستقبله سيطبق كل ما اختزلته شخصيته في سن صغره لمّا كان لا يدرك حقيقة الأمور
الطفل مسؤولية الجميع وحينما يكبر ويصبح مربياً سيُخضع من هم تحت يده لما تربى عليه
وبهذه الصورة تستمر المعاناة وتتكرر المأساة ولا سيما متى كان المجتمع لا يعي مسؤولياته
ولا سيما في ميادين التربية والتعليم والثقافة والإعلام التي قد تبني المجتمعات وقد تهدمها
يجب أن يعي الجميع ذلك وأن يشاركوا فيه وينهض كلٌ بدوره التربوي بحسب موقعه في مجتمعه
فالمربي أياً كان وضعه في المجتمع متى تخلى عن رسالته في الحياة وفرط فيها انفرط عقد المجتمع
وأولادنا مسؤولياتنا الأولى في الحياة وشغلنا الشاغل فيها لأنهم جيل المستقبل وصانعه وبانوه
فإن أحسنا تربيتهم أحسنوا تربية من سيأتي من بعدهم فنكون نحن من زرع النجاح ليستمر
وإن أهملناهم أهملوا من بعدهم فنكون نحن من أضاع النجاح وزرع محله الفشل
وبهذا يظهر وبوضوح الدور الفاعل والفعَّال للمربي في المجتمع من أنه محرك عجلة الزمن
إما في الاتجاه الإيجابي بما يبني ويشيد وإما في الاتجاه السلبي بما يهدم ويفسد ! تأمل برويه