كي تضمن نجاح أفكارك وتحقيق كافة مصالحك وجب عليك أولاً المحافظة على علاقاتك التي تبقيك في حيز القبول بالنسبة للآخرين الذي تضمن به تحقيق ما تصبو إليه واقعاً المصلحة تقتضي أن تقيم علاقات وطيدة تبقى قوية تستمر إلى ما شاء الله تعالى جاء في الأثر : اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً فمن علم أنه سيعيش أبداً وجب عليه استمالة القلوب وكسب النفوس وذلك لا يتحقق إلا بخلق عالٍ وأسلوب رفيع وتعامل أمثل مع الجميع بالإضافة إلى عفو وصفح وتسامح مع الكل وتجاوز عن تصرفات من أساء وكبح جماع النفس ولا سيما حال المواقف المتأزمة حتى لا تتفاقم والتغافل عن الممارسات غير اللائقة التي قد تصدر من البعض عفواً أو قصداً ومراعاة أحوال الناس ونفسياتهم التي قد تكون مضطربة نتيجة ضغوطات الحياة وتحمل الأذى والأسى والكف عن الجاهل وعدم معاملته بالمثل مطلقاً وإعذار الناس في سائر تصرفاتهم وتعاملاتهم وتقديم الحسنة على السيئة وترك إرادة الانتقام والتشفي والردود على كل ما قيل وقال والابتعاد قدر المستطاع عن الاستفزازات والمهاترات والمشاحنات وتجاهل الجاهل والمغفل والمجادل وعدم مصادمتهم ولا سيما حال النقاشات الحادة فالعاقل يضبط انفعالاته فلا يخرجه غضبه عن الحق ولا يدخله في الباطل والعدل في كل المواقف في الرضا وفي الغضب مهما كانت الأحوال وتجاوز المسيء وشكر الناس على ما قدموا من باب العرفان لما فعلوه والإحسان للجميع دون تمييز أو تفريق بينهم مهما كانت الظروف ومساعدة المحتاج لذلك ومد يد العون له بما في الوسع دون تقاعس أو توانٍ والقناعة عما في أيدي الناس تعففاً ونزاهة ورضاً بما قسم الله سبحانه ووصل من قطع وإن طال هجره وكثُر نكرانه وهبة المحتاج والمحروم وإن منع وتصفية النية والتعامل مع الناس بطيبة وعفوية وصدر رحب كبير يحتوي الجميع بهذه الفِعال ومثيلاتها قد يصل المرء إلى حيث درجة بذل الندى لكل البشر وبذلك يبقى في دائرة حيز القبول بما أقام من علاقات ودية مرضية مع الجميع عوائد مصالحها جميعاً في حقيقة الأمر عليه بما وطّد لنفسه من علاقات طيبة من شأنها استمالة قلوب الآخرين وكسب محبة نفوسهم ما أمكن الأمر وبهذا يتضح أن تحقق المصالح الإنسانية يستحيل أن يحصل وبنسبة كبيرة مقبولة ومرضية إلا بخلق حسن يبذله الإنسان لكل الناس وأسلوب رفيع وتعامل أمثل يكسبهم به وهذا يعني أن ارتباط المصالح البشرية بالأخلاق أمر وثيق في عالم الواقع لكن الذكي الفطِن من الناس من أدرك ذلك وعلم أبعاد الموضوع على حقيقته أما أكثر الناس فيظن العكس تماماً حين اعتقد أن المصالح لا تتحقق إلا بالمصالح مثيلاتها مقايضات وحسب وما سوى ذلك فلا مجال له في التعاملات فيما بين الناس بل ظن كثيرون أن المصالح شيء والأخلاق شيء آخر وكأنهما أمران منفصلان وهذا هو غاية الجهل والبلادة والغفلة فالمصالح وتحققها لا يعني الانفكاك عن الأخلاق وعليه فكل مصلحة انفكت عن الأخلاق في حقيقتها ليست مصلحة وإنما مفسدة ومضرة واعتقاد أن مصلحة المرء لا تتحقق إلا بمضرة الآخرين طيش وسفه وقلة وعي فالخلق الحسن لا يمكن أن يقر مصلحة فرد في مقابل مضرة من سواه تلك المصلحة الآنية التي تتأتى على حساب الآخرين تسمى استغلالاً وأنانية وسوء خلق والقيم العليا تمنع الاستغلال من كل وجه تماماً فالإنسان أخو الإنسان وإن كثرت المفارقات الإنسانية تحتِّم وفي كل الظروف أن يكون الإنسان إنساناً من شأنه مساعدة الجميع دون انتظار الشكر عليها من أحد أو رد الجميل جرَّاء ما قدم من فِعال وبهذا يتبين أن المصلحة والأخلاق من صلب القيم الإنسانية العليا الفضلى ومن اعتقد خلاف ذلك فميزان القيم عنده مضطرب ومختل ليراجع كيفية تصحيحه إذن الأخلاق هي الموجه الدقيق للإنسان ليتقن كيفية تحقيق المصالح في حياته والمصالح هي الرباط الحقيقي لكيفية إقامة الأخلاق الحسنة فيما بين البشر وما سوى ذلك لغط وقصور فهم وقلة وعي وما أكثر الناس لذلك بعالمين ولا أكثرهم لغفلتهم وجهلهم بما هو حق وبر وصدق بعاملين فتعلم وتنبه وارفع مستوى وعيك وفهمك لحقائق الأمور كي تستشعر إنسانيتك حقاً التي غابت عن كثير ممن يوصف بأنه إنسان للأسف ! فتأمل وتبصر
