دائرة تعاقب الأيام

تمر الأيام سراعاً ودون توقف وما أنت أيها الإنسان سوى فترة زمنية في عالم الزمن
تأتي لفترة محدودة قصيرة جداً ومن ثم عن قريب سترحل عن الدنيا بأسرها
في تلك الفترة التي عشتها ستترك فيها أثراً ولا ريب يبقى في قلوب الناس
أنت المسؤول عن كون ذلك الأثر إيجابياً يذكرك الناس به أم سلبياً يذكرونك به بشر
حياتك جزء بسيط في عالم البشر ورغم ذلك قد يبقى أثر ذلك الجزء البسيط في ذاكرة الزمن
تلك الذاكرة سيتعلم منها الناس الشيء الكثير يتناقلون فيه ما تركت عبر الأجيال
رب شخص عاش ثلاثين سنة فقط قدَّم فيها للإنسانية والبشرية ما يفوق عمره ذلك
قدم ما سيبقى من بعده إلى آلاف السنين لأنه عرف كيف يستغل عمره فيما يبقى
ورب آخر عاش بين الناس وما زال لكنه لم يحدث أثراً وكأنه ليس على قيد الحياة
والعجيب أن الذي عمل خيراً بقي من بعده والذي عمل بضده شراً أيضاً
كلاهما سيموت وكلاهما سينتهي عمره وتنقضي أيامه وكلاهما سيواريه التراب
لكن الذي عمل خيراً ترك تركة بقيت لمن جاء من بعده ورَّثها لأجيال قادمة
أخذت عنه وزادت على ما جاء به من خير كبير تلك هي تراكمات الحياة الدنيا
نستفيد ممن كان قبلنا ونفيد من سيأتي من بعدنا دائرة لا تنتهي إلا بنهاية البشرية
في تلك الدائرة التي لا تنتهي إلا بنهاية البشر يضع كل واحد منا بصمته ليس إلا
أما قدر الله تعالى فهو كائن ولا ريب لا راد لما أراد جل ربنا في علاه
كائن بنا أو بغيرنا حاصل على أيدينا أم على أيدي من سوانا من عالم الإنس
وما أنا وأنت وغيرنا سوى شهداء نتعاقب في فترات زمنية عبر هذه الحياة
كل منا يقدِّم ما في وسعه فقط ويترك الأمور بيد الله جلت قدرته يقلِّبها كيف يشاء
ليس ما أقدمه أنا أو ما تقدمه أنت أو ما يقدمه سوانا بذي قيمة لا يمكن الاستغناء عنه
كلا ! أقدار الله تقدس وتعالى كائنة تسير في الكون وفق قدر إلهي وحكمة ربانية
لا مبدل لكلمات الله تعالى شأنه ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنته تحويلاً
وهذا يعني أن ما يقدِّمه الإنسان ما هو إلا جهد يحسب له أو عليه ليس إلا
هو المنتفع الأول والأخير بما عمل في دنياه وهو المتضرر الأول والأخير بما اقترفت يداه
لا تعتقد أن ما تقدمه لولاه لتعطل نظام الكون أو تضرر من حولك أو انتفع
ما أنت سوى عامل يقدِّم ما في وسعه في دنياه ليحصد جزاء ذلك في آخرته
والأمور بيد الله تبارك وتعالى يقدم ويؤخر ويعطي ويمنع يخفض ويرفع كما يشاء
كل ما عليك فعله في دنياك أن تعمل الخير والبر والحق قولاً وفعلاً
وتنقل عمن كان من قبلك ما يُحمد عليه الناس ويستحسنوه ويجازون عليه خيراً
تحسب حينها في عداد الخيِّرين المحسنين الفضلاء الذي اسهموا في رقي البشرية والإنسانية
اقتدِ بمن تحب أن تكون محله ومثله في حُسن الخاتمة وأن تلق ذاته مصيره
واجتنب ما استطعت من عموم أعمال الشر والضلال والفسق والفساد
ولا تنقل عمن كان من قبلك ما يُذم عليه الناس ويبغضوه وتجازى عليه شراً
فتحسب حينها في عداد الشريرين المسيئين الذين أفسدوا على الناس حياتهم وضللوهم
ولا تقتدِ بمن يسوؤك أن تكون محله ومثله في سوء الخاتمة وأن تلق ذاته مصيره
لأن ما قدمته ستحاسب عليه إما بخير وإما بشر لا فِكاك لك عن ذلك أبداً
كن وسيطاً إيجابياً في حياتك ينمي الخير وينشره ويشيعه ويذيعه ويعين على ذلك
ويمنع الشر والضلال والفسق والفساد ويحذر منه وينبه عليه ويوصد الأبواب دونه
اعلم أنك أيها إنسان مجرد حلقة وصل مهمة بين السابقين لك واللاحقين بك
فمن نشر خيراً وحقاً وبراً وعمل به ونماه وأشاعه في مجتمعه طوال فترة حياته
يكن قد استفاد ممن فات وأفاد من سيأتي من بعده بذلك الخير والحق والبر
فوصل بذلك حلقة الخير الممتدة من السابقين إلى اللاحقين
أما من عمل الشر والضلال والفسق والفساد ونشره وأشاعه وأذاعه فترة حياته
كان حينها قد وصل حلقة الشر والضلال والفساد بين السابقين له واللاحقين به
هذه هي حقيقة دور الإنسان في تعاقب الأجيال وتفاني الأزمان
هو فاعل قطعاً وأثره باقٍ حتماً إما خيراً وإما شراً لا محالة له من ذلك
دائرة امتدت من زمن آدم عليه السلام وهو في الجنة لم يخرج منها بعد
إلى يوم الناس هذا بل وإلى قيام الساعة حين يرث الله تعالى الأرض ومن عليها
فاحرص على أن تكون حلقة وصل إيجابية واحذر أن تكون حلقة وصل سلبية
فلولا بقاء تلك الدائرة بين الناس ممتدة لما وصلنا خبر من كان من قبلنا وما تركوه
ولما كان سيصل خبرنا وما تركناه وما سنتركه إلى من سيأتي من بعدنا من أجيال
هي الأيام تحصينا وتحصي أعمالنا ونتركها ونموت لكنها لا تتركنا وما عملنا فيها
دائرة تتوالى وتتعاقب عبر السنين لكن آثارها لا تمحى ولا تنطمس أبداً
ورغم كونك أيها الإنسان مجرد فترة قصيرة وأيامك محدودة لكن أثرك أكبر منك بكثير
ربما بعمر الإنسانية من بعد موتك وسيستمر إلى ما شاء الله تعالى له أن يبقى
أيامنا قصيرة فانية لكن آثار أعمالنا طويلة باقية في الدنيا وفي الآخرة أيضاً
فلكل منا مصير محتوم في آخرته جزاء ما قدَّم في دنياه وما ذاك إلا لما استحقه عليه
العمر عن قريب سيفنى والجسد قطعاً سيبلى والعمل يبقى والمصير محتوم
وما هي إلا حياة واحدة في دنياك تحياها بخيرها وشرها ومن ثم تتركها
لكن الجزاء عليها يلاحقك ولن يتركك ويقودك إلى حيث ما تستحقه
أنت الذي يمهِّد لنفسه في دنياه وفي أخراه فمهِّد لنفسك ما تريد وتحب أن تلقاه
واجعل حياتك نفعاً لك ولغيرك وإلا سيضرب بك المثل في سوء الخاتمة والمصير
دنياك لك أو عليك ومصيرك لك أو عليك فرصة واحدة لا تعويض فيها
وفي يوم ستكون مجرد حديث ذكريات مفرحة أو محزنة وسيكون أثرك عملاً متداولاً
سيسهم في رفعة البشرية وينتفع به الناس أو فساداً وشراً مستطيراً يضر بهم ويفسد حياتهم
أنت الفاعل وأنت الحكم على أفعالك وأنت المفعول به وأنت المحكوم عليه
وصدق جل جلاله وتقدست أسماؤه القائل في الذكر الحكيم : (حكمة بالغة ما تغن النذر)