دائرة الإنسانية (الاحترام)

كثيرون هم الذين يحترمون الناس لأغراض معينة تعني لهم شيئاً مهماً حسب نظرهم
وكثيرون هم الذين يحترمون الناس لأجل أموالهم وثرواتهم وما يملكون مع عرض وممتلكات
وأيضاً كثيرون هم الذين يحترمون الناس لأجل مناصبهم ومراكزهم ووجاهاتهم في الدنيا
وكثيرون هم الذين يحترمون الناس لأجل أنسابهم وأحسابهم وقبائلهم ومكانتهم الاجتماعية
وكثيرون هم الذين يحترمون الناس لأن منافعهم ومصالحهم بأيديهم وتحت تصرفهم
وأيضاً كثيرون هم الذين يحترمون الناس خوفاً منهم لأي سبب كان ظاهراً أم خفياً
كل أولئك في الحقيقة لا يقدمون الاحترام المطلوب للشخص ذاته في الواقع
وإنما يقدمون احترامهم له لما هو فيه من أعراض وأحوال فرضت عليهم احترامه واقعاً
وإن لم يكن أهلاً لذلك الاحترام في عالم الحقيقة والواقع وهذا مشاهد كثيراً ولا ريب
الاحترام هنا في حقيقته يدور ضمن دوائر التزلُّف والمجاملات والمصالح والمنافع القائمة
التي لولاها لما وجد أولئك من يحترمهم ولا بأقل كلمة مستحقة إلا من ذويهم
وحتى هذا الاحترام يأتي من باب كونه فرضاً يقومون به تجاه أقرابهم ومعارفهم
وهي مشكلة مجتمعية حقيقية فتحت الباب على مصراعيه أمام التعاملات الخاطئة
أفقدت العلاقات الإيجابية الجادة والروابط الحقيقية النافعة قيمتها في الحياة
ولذلك قليلون هم من يحترمون الناس لأجل كونهم بشر يشعرون نحوهم بإنسانيتهم
شعورك بأنك إنسان وتعاملك من هذا المنطلق يجعلك تعرف قيمة الأخوة الإنسانية
وهذا أمر يكاد يكون شبه نادر في حياتنا اليومية إن لم يكن كذلك فعلاً وواقعاً
حتى من يوصف بأنه رجل متدين وملتزم تجده يتعامل مع من حوله من منطلق التدين
فإن لم يكونوا كذلك عاملهم بجفاء وغلطة وقسوة ونفور فإين الإنسانية في ذلك
هذا وأمثاله هم أول المعنيين بمعاملة الناس بدافع الإنسانية لإشعارهم بأن الدين هو الآمر بذلك
الدين الحق هو الذي يأمر بالرحمة والرفق واللين والكلمة الحسنة والتعامل الراقي الأمثل
الدين الحق لا جفاء فيه إطلاقاً حتى مع الخصوم والكفرة والمعرضين عنه والمنصرفين منه
الدين يعني التعامل بموجب دستور السماء الذي ربط البشر بإنسانية واحدة لا فرق فيها
الدين والأخلاق هما العروة الوثقى والصلة الكبرى والحبل المتين والرابط القوي بمعنى الإنسانية
كونك إنساناً يعني كونك متديناً حقاً وكونك متديناً يعني كونك إنساناً حقاً
ومن جهل ذلك فقد جهل معنى الإنسانية ومعنى الدين إذ لا فرق بينهما مطلقاً
الإنسانية قيم عظمى باعثها الحقيقي وينبوعها الصافي ومحركها الأول هو الدين الحق
والدين منهج حق جاء ليقوي أواصر الأخوة الإنسانية والروابط البشرية والعلاقات العامة
حاول أن تعامل من أمامك من منطلق كونك إنساناً يشعر بأخيه الإنسان
تجرد قليلاً من كونك إنساناً مجاملاً متزلفاً ومتمصلحاً مستنفعاً هذه هي تعاملاتك في حياتك
لا أقول كونك (منافقاً) وإن كانت ليس بكلمة بعيدة عن كثيرين من الناس في حقيقة الأمر
الإنسانية تلغي كل الفوارق ليندمج الجميع في حياة فاضلة متكاملة رغم كل الفوارق
هذا سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم يسكن بجواره رجل يهودي يخالفه المعتقد
جار مؤذٍ يضع النفايات والقمامة أمام بيت الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم
ورغم ذلك يصله ويتفقده لما غاب ولم يرَ أثر القمامة أمام بيته بل وزاره ليطمئن عليه
فوجد ولده مريضاً في آخر دقائق حياته فرحم حاله ودعاه للإسلام فأسلم وأنفذه من النار
تلك هي الإنسانية الحقيقة والتي في مثل تلك الظروف تظهر معالمها وبكل وضوح
حتى اليهودي المؤذي المعارض للرسول صلى الله عليه وسلم ولدعوته ولدينه تصرف بإنسانية
فقبل أن يموت ولده ذاك نظر إلى أبيه يستأذنه في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فما كان من اليهودي إلا إن قال في لحظات غلبت إنسانيته دينه وخصمه الواقف أمامه قائلاً
يا بني أطع أبا القاسم فنطق الولد قائلاً أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
فنجا الغلام من النار والجحيم بشهادة التوحيد تلك التي هي مفتاح الجنة لا سواها
نحتاج في حياتنا لمثل تلك التعاملات الإنسانية الحقيقية التي تنبع من قلب إنسان لإنسان
إن استطعت أن تتعامل بمثل ذلك التعامل الراقي مجرداً من المصالح والمنافع والمجاملات
فأنت حينها إنسان حقيقي وأنت حينها على أول طريق الهداية والرحمة التي جاء بها الدين الحق
اذكر دوماً أن الدين والإنسانية لا يمكن أن يفترقا وإن حصل ذلك فهناك خطأ ما في التطبيق
دستور السماء الحق لا يمكن أن يتخلله نقص أو خلل أو زلل محال أن يكون ذلك
يكمن الخطأ حينها في الفهم والتطبيق وإرادة حمل الناس عليه الذي متى تفشى حل البأس
ووصم الدين حينها بأنه منبع الخلافات والمشكلات والنزاعات وهو براء من ذلك تماماً
الدين لا يفرِّق لا يعصِّب لا يعسِّر لا ينازع وإنما يجمع ويسهل وييسر ويقرب بين الناس
احترم من هم دونك منزلة ومكانة واستشعر كونهم بشراً مثلك وإن كانوا أقل شاناً منك
ارحمهم وأحسن إليهم وتلطف بهم وألِن كلمتك معهم تكسب ودهم واحترامهم
وإذا فعلت ذلك فمن باب أولى احترم والديك وأخوتك وأقاربك ومعارفك ورفقاءك
وزملاءك وجيرانك ومن تعرف ومن لا تعرف ومن هم على دينك ومن هم على غير دينك
كل ذلك وأنت تستشعر قيم الإنسانية العظمى المتربطة بالدين الحق المرتبط بالسماء
أنت حينها إنسان حقاً وفعلاً وواقعاً ! وقتئذٍ فقط ستشعر الفرق في حياتك كبيراً
فكن كذلك ما استطعت لترض عن نفسك وعن غيرك وعن ربك سبحانه أولاً وآخراً