آية الكرسي :

 

تشتمل على ذكر الذات والصفات والأفعال فقط ليس فيها غيرها :
فقوله : {الله} : إشارة إلى الذات .
وقوله : {لا إله إلا هو} : إشارة إلى توحيد الذات .
وقوله : {الحي القيوم} : إشارة إلى صفة الذات وجلاله، فإن معنى القيوم هو الذي يقوم بنفسه ويقوم به غيره، فلا يتعلق قوامه بشيء ويتعلق به قوام كل شيء، وذلك غاية الجلال والعظمة .
وقوله : {لا تأخذه سنة ولا نوم} : تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث، والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة، بل هو أوضح أقسامها .
وقوله : {له ما في السماوات وما في الأرض} : إشارة إلى كلها، وأن جميعها منه مصدرها وإليه مرجعها .
وقوله : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} : إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر، وأن من يملك الشفاعة فإنما يملك بتشريفه إياه والإذن فيه، وهذا نفي للشركة عنه في الملك والأمر .
وقوله : {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شآء} إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات، والانفراد بالعلم، حتى لا علم لغيره من ذاته، وإن كان لغيره علم فهو من عطائه وهبته، وعلى قدر إرادته ومشيئته .
وقوله : {وسع كرسيه السماوات والأرض} : إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته، وفيه سر لا يحتمل الحال كشفه، فإن معرفة الكرسي ومعرفة صفاته، واتساع السماوات والأرض معرفة شريفة غامضة، ويرتبط بها علوم كثيرة .
وقوله : {ولا يؤوده حفظهما} : إشارة إلى صفات القدرة وكمالها، وتنزيهها عن الضعف والنقصان .
وقوله : {وهو العلي العظيم} : إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات، وشرح هذين الوصفين يطول، وهو شرحنا منهما ما يحتمل الشرح في كتاب “المقصد الأسنى في أسماء الله الحسنى” فاطلبه منه .
    والآن إذا تأملت جملة هذه المعاني، ثم تلوت جميع آيات القرآن لم تجد جملة هذه المعاني من التوحيد والتقديس وشرح الصفات العلى مجمعة في آية واحدة منها، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (سيدة آي القرآن) . فإن {شهد الله} ليس فيه إلا التوحيد؛ و {قل هو الله أحد} ليس فيه إلا التوحيد والتقديس؛ و {قل اللهم مالك الملك} ليس فيه إلا الأفعال وكمال القدرة؛ و”الفاتحة” فيها رموز إلى هذه الصفات من غير شرح، وهي مشروحة في آية الكرسي، والذي يقرب منها في جميع المعاني آخر الحشر، وأول الحديد، إذ اشتملا على أسماء وصفات كثيرة، ولكنها آيات لا آية .

                                                                   المصدر : جواهر القرآن / الغزالي / ص73-75 .