سر الحياة :

 

الماء سر الحياة بل هو سر من أسرار الكون، لذا قال سبحانه فيه : {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}[الأنبياء 30] . أي أنه عز وجل جعل الماء هو أساس كل الكائنات الحية في هذه الدنيا، وفي الآية الأخرى قال جل في علاه أيضاً : {والله خلق كل دابة من ماء}[النور 45] . وسواء معنى الآية أن كل حي مخلوق من الماء المعروف أو قصد به المني، لأن المني أصله من ماء أيضاً .

     وقد أثبت العلم الحديث أن تكوين جسم الإنسان يحتوي على نسبة (70%) من الماء . ليس ذلك فحسب بل إن الله عز وجل وصف الماء بعدة أوصاف تدل على أنه عنصر شريف في ذاته قال تعالى في ذلك : {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً}[الفرقان 48] . فوصف جل جلاله الماء هنا بأنه ماء طهور .

     وفي الآية الأخرى يقول سبحانه : {وأنزلنا من السماء ماء مباركاً}[ق 9] . وصف الماء المنزل من السماء هنا بأنه ماء مبارك . في الآيتين وصفان للماء فهو ماء طهور أي مطهر لغيره منقٍ ومنظف . وهو ماء مبارك أي فيه بركة للخلق، وهذا ملاحظ فلا رطب ولا يابس إلا وهو يعيش على الماء وصدق سبحانه وتعالى القائل : {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج}[الحج 5] .

     وصدق جل شأنه القائل أيضاً : {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير}[فصلت 39] .     

     بل وأكثر من ذلك فليس وجود الماء في حياة الإنسان فقط بل أن وجوده كان قبل أن يخلق الله تعالى الكون بما فيه وهذا مما يزيده تشريفاً يقول سبحانه في ذلك : {وكان عرشه على الماء}[هود 7] . أي أن عرش الرحمن كان على الماء والله تعالى أعلم بكيفية ذلك، المهم أن في ذلك دليل على شرف الماء وعلو عنصره، لذا جعل الله تعالى عرشه عليه وجعله مطهراً من كل شيء ولكل شيء .    

     ومن أبرز صفات الماء أنه لا صفة مميزة له، فيا للعجب لا طعم له ولا لون ولا رائحة وهذا من أخص خصائصه . وبالماء تمزج الأشياء وفيه تذوب وتتحلل وبه تتكون وتتركب، ولذلك كان الماء من أغرب الأسرار اللا معروفة في هذه الدنيا حتى الآن .    

     وأيضاً كل الناس يشربون الماء ليعيشوا، فبه تقوم حياتهم، وبه يطهون طعامهم، ومنه يغتسلون وبه يستشفون، وبه يطرد المسلم عنه رجز الشيطان، ويقي نفسه ويتحصن به قال سبحانه في ذلك : {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام}[الأنفال 11] .

     إذن فدلالة الآية أن الماء هو مطردة للشيطان وواقٍ للمسلم من وساوسه وهمزه ولمزه ونفخه ونفثه، ولذلك أمرنا عليه الصلاة والسلام بأن نتوضأ متى ما غضب الإنسان بقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)[أبو داود] .          

     والاستشفاء به له سرٌ عظيم آخر أيضاً يقول سبحانه وتعالى فيه لما ذكر شأنه أيوب عليه السلام فقال عز وجل له : {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}[ص 42] . ففي الآية دلالة على أن الاغتسال بالماء هو شفاء، ولا سيما بالماء البارد لما له من خاصية، فهو أثقل من الماء الحار وله سر عجيب .    

     ولذا أمر سبحانه وتعالى عموم عباده بالوضوء خمس مرات في اليوم والليلة على الأقل لما فيه من وقاية من الشياطين وعموم الوساوس ولا سيما غسل الأعضاء التي هي أكثر عُرضة للمس، هذا فضلاً عن كون الماء يطهر الجسم من جميع الأوساخ والأدران البدنية الظاهرة والباطنة .    

     إذن فللماء تأثير بالغ يقي الله تعالى به الإنسان من عموم الأمراض . وكل هذا من الناحية العلمية الإعجازية أما من الناحية الكيميائية فقد قال العلماء أن الماء مكوَّن من عنصرين هما (الهيدروجين والأكسجين) برابطة معينة بين جزيئات العنصرين .    

     وبالتالي فقد اكتشفوا أن الماء المقروء عليه القرآن الكريم تزيد قوة تلك الروابط فيما بين تلك الجزيئات مما يزيد الماء فعالية ووقاية، فلا يتخلله شيء، فيطرد الجن والشياطين .    

     وهذا ليس بمستغرب أبداً إذ إن من أسماء الله تعالى وصفاته النور (وقد تكلمت عن هذه النقطة سابقاً)، والقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه المنزل فهو نور حقيقة، وحين يُقرأ على ماء وصفه سبحانه بأنه مبارك وطهور، يمد القرآن الكريم ذلك الماء بنور من نور الله تعالى فيكون له ولا شك تأثير بالغ وكبير وقاية وحصناً . وهذا التأثير هو موجودٌ علمياً وليس تأثيراً إيمانياً فقط .    

     وإذا كان قد ثبت علمياً بأن شعاع الليزر، وهو مجرد حزم من الضوء والنور يقصّ الحديد ويقطعه رغم قوته وصلابته، وهو مجرد خلق من خلق الله تعالى، فكيف بالقرآن الكريم وتأثيره وهو كلام الله تعالى، وأثره من أثر الله سبحانه ونوره من نور الله عز وجل .    

     وزِد على كل ذلك أيضاً . فليس الماء هو في الدنيا فقط بل وحتى في الجنة نجد أن الله تعالى يذكر الماء وأنه من أعذب الشراب البارد المستساغ فيها قال جل شأنه في عدة آيات منها قوله سبحانه : {فيها أنهار من ماء غير آسن}[محمد 15] . وغير آسن أي غير منتن متغير الريح .    

     وقال سبحانه أيضاً : {وماء مسكوب}[الواقعة 31] . وقال جل جلاله أيضاً : {وسقاهم ربهم شراباً طهورا}[الإنسان 21] . وقال تعالى شأنه في عدة آيات من القرآن الكريم : {جنات تجري من تحتها الأنهار} .

     بل وحتى في النار ذكر عز وجل لنا الماء ووصفه بعدة أوصاف قال فيها سبحانه : {ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه}[إبراهيم 17] . وقال عز وجل أيضاً : {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}[الكهف 29] . وقال أيضا جلت عظمته : {وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم}[محمد 15] . وقد قال العلماء أن الماء الموجود في الطبيعة خمسة أقسام هي :

– الماء الأجاج . وهو المالح كماء البحار .

– الماء النجس . وهو كل ماء خالطته نجاسة فلا يستفاد منه .

– الماء الآسن . وهو الكدِر الذي تغيرت أحد أوصافة الثلاثة الطعم واللون والرائحة لكنه يستفاد منه .

– الماء العذب . وهو الزلال الفرات السلسبيل المعين . ويقصد بالزلال الصافي، ويقصد بالسلسبيل غاية السلالة، ويقصد بالفرات العذب، ويقصد بالمعين المرئي يخرج من عيون الأرض فتراه عيون البصر .

– الماء المحترم . وهو ماء المطر الطهور وماء زمزم المبارك .    

وإذن فالماء سر عجيب من أسرار الخلقة حقيقة، فهو أساس خلق كل الدواب والكائنات الحية وهو سر الكون وبه تقوم الحياة، وهو موجود قبل أن يوجد الكون وهو أيضاً في الدنيا وفي الآخرة وفي الجنة وفي النار . فتبارك الله تعالى أحسن الخالقين جل ربنا في علاه .