اتساع الكون :

 

الأرض التي نراها ثابتة تسير بسرعة (19) ميلاً في الثانية حول الشمس، أما سرعة دورانها حول محورها فقدرت بـ (400) متر في الثانية، كما قُدِّر عمرها بقرابة (4600) مليون سنة ضوئية[1].    

     أما الشمس فتبعد عن الأرض قرابة (93) مليون ميل، أو (150) مليون كيلو متر . ورغم ذلك نراها في السماء كالقمر، وذلك لأن حجم الشمس أكبر من حجم الأرض بمليون وثلاث مئة ألف مرة، وتبعد عنها بـ (400) مرة ضعف بُعد القمر عنا .    

     هذه الشمس تعتبر مجرد نجم صغير، وكوننا الفسيح به من النجوم العملاقة ما يفوق حجم الشمس بألف مليون مرة . ويدور حول الشمس (9) كواكب سيارة تسمى بالمجموعة الشمسية، وهذه المجموعة ما هي إلا تابع بسيط في مجرة تسمى درب التبانة، وهي توجد ضمن سديم عظيم، هو عبارة عن تجمع عنقودي لعدة مجرات يصل إلى (30) مجرة، وفيها من عدد النجوم قرابة (500.000) مليون نجم .    

     وهذه المجرة يبلغ طولها (100.000) مليون سنة ضوئية، وهو ما يعادل مسافة (600.000) مليون مليون ميل . في حين أن سمكها هو (20.000) سنة ضوئية . وهي تلف وتدور حول نفسها بسرعة (140) ميل في الثانية .

     وتكمل دورة واحدة في ما يقارب (230) مليون سنة . وقد قُدِّر عمر الكون إجمالاً بحسب الكشوف العلمية وما توصل إليه علماء الفلك بنحو (16) مليار سنة؛ حسب نظرية الانفجار العظيم التي ظهرت عام (1933م)، وقبل كانت مادته منضغطة ثم انفتقت بعد ذلك[2]. وهذا بالضبط الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما}[الأنبياء 30] .    

     وعلى هذا فما الأرض إلا مجرد فرد تابع في المجموعة الشمسية التي قُدِّر عمرها (6) مليارات سنة، وهذه المجموعة هي أيضاً تعتبر فرداً تابعاً في مجرة درب التبانة، التي هي أيضاً تعتبر فرداً تابعاً في المجموعات النجمية، أو ما يسمى بالسُدم .     وتلك السُدم منتشرة في الكون الفسيح، الذي لا يعلم كنهه إلا الله جل جلاله .     أما لو خرجنا إلى نطاق النجوم الأخرى فنجد أن أقرب نجم منا هو المسمى الأقرب القنطوري، وهو يبعد عنا مسافة (25) مليون مليون ميل أي مسافة (4.25) أربع سنوات ضوئية وربع السنة، أي أنه أبعد عن الأرض من الشمس بـ (270.000) مرة أو (7000) مرة عن بُعد بلوتو عنا؛ آخر الكواكب الشمسية .    

     في حين أن ألمع النجوم في السماء هو نجم الشعرى اليمانية الذي قال الله تعالى فيها : {وأنه هو رب الشعرى}[النجم 49] وهي تبعد عنها مسافة (51) مليون مليون ميل أي مسافة (8.65) ثمان سنوات ضوئية وسبعة أشهر .    

     وهذا يعني أننا لا نرى النجوم حقيقة من على وجه الأرض، وإنما نرى ضوءها الذي استغرق ملايين السنين حتى وصل إلينا، وهذا ما بينه جل في علاه بالضبط بقوله سبحانه في كتابه العزيز : {فلا أقسم بمواقع النجوم}[الواقعة 75] .    

     نلاحظ أنه جل في علاه أقسم بمواقع النجوم، وليس بالنجوم ذاتها؛ لأن النجوم تكون قد غيرت مواقعها، أو انفجرت وتلاشت عبر ملايين السنين، والذي نراه على وجه الحقيقة مجرد ضوء انبعث من نجم يسبح في فضاء فسيح استغرق وصول ضوئه كل تلك السنين .    

     أما لو خرجنا إلى حدود المجرات الأخرى ونطاقها فنجد أن أقرب المجرات تبعد عنا مسافة (160.000) سنة ضوئية، وهما مجرتا سحابة ماجلان الكبرى وسحابة ماجلان الصغرى، وأبعد منهما بقليل مجرة المرأة المسَلسَلة (الأندروميدا)، والتي تبعد عنا مسافة (220.000) سنة ضوئية .    

     في حين أن أبعد السُدم عنا يبلغ مسافة (140) مليون سنة ضوئية . وبحسب المتاح للعلماء الفلكيين فإن أقرب مرقب فضائي يرينا نحو من (1500) مليون نجم في السماء وأن أقصى نقطة تم قياسها حتى الآن هي (140) مليون سنة ضوئية، تحوي قرابة مليوني سديم في كل سديم منها قرابة (2000) مليون نجم . أي أن مجموع النجوم التي تقع تحت نطاق مرأى المرقب الفضائي هو (4000) مليون مليون شمس أي نجم .    

     وعلى ذلك فإنه وبحسب ما توصل إليه العلماء من حسابات فلكية في أحسن الأحوال أقل من المتوقع وليس أكثر، ذكروا أنه وبموجب قانون نظام تمدد الكون فإن عدد النجوم فيه هو (11000) مليون مليون مليون شمس .     وأن عدد المجرات في الكون يصل إلى قرابة (100.000) مليون مجرة، مسافات شاسعات مهولة في كون فسيح، وبحر من الفضاء الممتد .    

     وهناك نجوم عملاقة وكبيرة جداً تصل قوة طاقتها وإضاءتها إلى قدر مئة ألف مليون شمس، ولكي نصل إلى أقرب نجم منا بحسب تقنياتنا المحدودة فإننا نحتاج إلى (8000) سنة حتى نصل إليه . فيا لله ! كم هي تلك المسافات .    

     وإذن فحقيقة الإنسان أنه مجرد ذرة تمشي على الأرض، وهذه الأرض هي مجرد جسيم صغير يتبع لأمه الشمس، وهذه الشمس وتوابعها هي مجرد جسيمات صغيرة جداً تابعة لأمها المجرة التي تحوي ملايين ملايين النجوم مثلها، وهذه المجرة ما هي إلا واحدة من ملايين المجرات غيرها .    

     وتلك المجرات ما هي إلا واحدة من ملايين السُدم الفضائية، وتلك السُدم ما هي إلا جزء بسيط يسبح في كون فسيح لا يعلم كنهه ومنتهاه إلا الله سبحانه وتعالى، قال جلت قدرته وعلا شأنه : {والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون}[الذاريات 47] . أي بنيناها بتأييد وقوة وقدرة وإحكام محكم، تدل على قدرة الصانع وعظمة الخالق، وموسعون أي أن الكون في اتساع دائم وتمدد مستمر .    

     وقد أثبت العلم فعلاً هذه الحقيقة، وهو أن الكون في اتساع وتمدد مستمر؛ وذلك بقياس لون الضوء المنبعث من النجوم، فذكروا أن الضوء أصلاً يحتوي على ستة ألوان تعرف بألوان الطيف؛ وهي (الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي) فالضوء كلما اقترب منا أعطى لوناً يقترب من البنفسجي، وكلما ابتعد منا أعطى لوناً يقترب من الأحمر .    

     فقالوا إن الضوء المنبعث من النجوم ينـزاح نحو اللون الأحمر، وبالتالي فهي تبتعد عنا، وإذن فالكون في اتساع وتمدد مستمر . تسمى هذه النظرية بنظرية الانزياح للأحمر، وهي التي أثبتت اتساع الكون وتمدده، ومضمونها أن الضوء المنبعث هو إما موجات منضغطة تعطي لوناً أزرق، وإما موجات ممتطة تعطي لوناً أحمر، وهذا يعني التوسع .    

     وإذا كان كل هذا فيما ظهر للعباد وتجلى من خلق الله تعالى لهم، مما علّمهم الله تعالى إياه، واتضح لهم من خلاله عِظم هذا الكون الفسيح، فكيف بما خفي عنا من ملكوت لا يعلم كنهه إلا الله جل في علاه . سبحانه وتعالى عما يصفون .

*****

[1] تبلغ سرعة الضوء في الفراغ (300.000) كيلو متر في الثانية، وهذا يعني أن سرعة الضوء في السنة الواحدة تصل إلى مسافة (9460.800.000.000) . أي أكثر من تسعة مليون مليون كيلو متر في سنة واحدة، هذا هو المقدار المعروف عند الفلكيين بالسنة الضوئية . [2] قال علماء الفلك والفيزياء الحديثة : إن عمر الإنسان بالنسبة لعمر الكون هو قدر جزء بسيط جداً جداً جداً . فلو افترضنا مثلاً أن عمر الكون هو سنة واحدة والتي فيها (8640) ساعة، لكان عمر الإنسان من ذلك هو آخر ثماني ساعات فقط من آخر يوم في تلك السنة، أي بنسبة 1 إلى 1079 ضعفاً . فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة .